غرض الرثاء

يعد غرض الرثاء أقوى أغراض الشعر الغنائي في الأدب العربي غرض الرثاء. فهو شعر الوجدان الصادق، والعاطفة الجياشة، والشعور الحق، إذ ليس معناه سوى بكاء الأحبة، على اختلاف ألوانهم ودرجاتهم، وفاء لمحبتهم، واستجابة للألم الممض الذي يفري القلوب لوعة وأسى لفقدانهم، مع ما يستتبع ذلك فن التنويه بمآثرهم، والإشادة بأعمالهم الحسنة، وخصالهم الحميدة
وبقدر ما يعظم الألم وتفدح المصيبة، وتتداعى نفس الشاعر تحت وطأة الحسرة والالتياع يغني الرثاء، حيث يسمو الشاعر في تعبيره، ويجلى في تصويره، ويأتي بالآيات البينات، وقد تكون مناسبة لإثارة موضوع الموت بشكل فلسفي دقيق، أو لضرب المثل بالمرئي على تفاهة الحياة واستخلاص العبرة من موتهن أو لغير هذا وذاك مما قد تتضمنه القصيدة من نزعة أخلاقية أو نفسانية تتصل بالجانب الإنساني..
وقد عرف الأدب العربي هذا الغرض منذ أقدم عصوره، فعرف فيه رقة الشعور، ونبالة القصد، وخلة الوفاء، والتنزه عن الغرض، كما عرف فيه قوة الكلمة على ترجمة المشاعر المكلومة، والنفوس المصدومة، والأحاسيس المكتوبة بنيران الفواجع والأرزاء.
ولم يخل عصر من العصور منذ كان الشعر، من شاعرات أو شعراء تألقت أسماؤهم في دنيا البكاء، فكان لها ذلك تخليدا، بل هناك من الشعراء من لا يكاد يعرف إلا بشعر الرثاء، كما أن هناك من لم يدخل في زمرة الخالدين من الشعراء،

ومن امثله ذلك
قول ابي تمام في رثاء ابنه
كذا فليجلّ الخطبُ وليفدح ِالأمرُ ..... فليس لعين لم يفض مــاؤها عــذرُ
توفيـتِ الآمــال بعـد محمــد ..... وأصبح في شغل عن السفر السَّـفرُ
فتىً مات بين الضرب والطعن ميتةً ..... تقوم مقام النصر إذا فاتهاالنصرُ

ومنه ايضا قول ابي ذويب في رثاء ابنائه حيث كان له خمسة من الأبناء عرفوا بالنجدة والشجاعة والكفاية وكانوا نور عين والدهم فاستأذنوه للجهاد مع المسلمين حين اتجهوا لفتح مصر فأذن لهم فذهبوا وفتحوا مصر مع جيوش المسلمين ولكنهم في أثناء ذلك أصابهم الطاعون فقضوا جميعهم مرة واحدة وأتى نعيهم لأبيهم الذي تشققت كبده عليهم فقال:
أمِنَ المَـنون ِ ورَيبـِها تتـوجَّـعُ والدهر ليس بمُعتِبٍ من يَجْزَعُ
قالت أُمَيْمَة ُ ما لِجسْمِكَ شاحِباً منذ اُبْتـُذِلـْتَ ومِثـلُ مَالـِكَ يَنـْفـَعُ
أم مَا لِجَنـْبـِك لا يُلائِمُ مَضْجَعاً إلا أقـَضَّ عليك ذاك المَضْجَعُ
فأجبـتـُها: أمَّــا لـِجسْـمي أنـَّه أوْدَى بَنِيَّ من الـبلادِ فـوَدَّعُـوا
أودى بـَنِيَّ وأعـقبوني غُصَّة ً بعـد الـرقـاد وعبرةً لاتـقـلـعُ
ومنها ايضا قول الخنساء في رثاء اخيها صخر
أعينيَّ جودا ولا تجمدا..ألا تبكيان لصخر الندى
ألا تبكيان الجريء الجميل...ألا تبكيان الفتى السيدا
طويل النجاد رفيع العماد ...ساد عشيرته أمردا

مشكور اخي على هذه المعلومات جزاك الله كل خير